سورة الكهف - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


إمرا: منكرا. لا ترهقني: لا تحمّلني ما لا اطيق. العسر: الشدة والمشقة وضد اليسر، يعني ارفق بي وعاملني باليسر. زكية: طاهرة من الذنوب. نكرا: منكرا تنفر منه النفوس. قد بلغت من لدني عذرا: وجدت عذرا من قبلي. استطعما اهلها: طلبا منهم ان يطعموهما. جدارا يريد ان ينقض: حائطا مشرفا على السقوط. فأقامه: فسوّاه ورممه. هذا فراق بيني وبينك: إلى هنا انتهى اجتماعنا. سأنبك بتأويل: سأخبرك بتفسير ما لا تعرفه. خيرا منه زكاة: احسن منه طهارة. واقرب رحما: قرابة ورحمة. كنز: مال مدفون تحت الجدار. يبلغا اشدهما: بلوغ الرشد وكمال العقل.
فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، حتى وجدا سفينة فركباها، فخرقها العبد الصالح فاعترض موسى قائلا: أخرقتَ السفينة لتغرق من فيها من الركاب؟ لقد راتكبت امراً منكرا.
قال العبد الصالح: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} لما ترى من اعمالي ولا تدرك سرها.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي: {ليغرق اهلها} بالياء ورفع اهلها.
قال له موسى: لا تؤاخذني فقد نسيت العهد الذي بيننا، ولا ترهقني وتكلفني مشقة ويسّر عليّ أمري.
وخرجا من السفينة فانطلقا يمشيان، فلقيا صبياً، فقتله العبد الصالحن فقال موسى مستنكرا هذا العمل: كيف تقتل نفسا طاهرة بريئة من الذنوب، ولم ترتكب ذنبا!
{لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} لقد ارتكبت اثما عظيما.
الى هنا تم تفسير الجزء الخامس عشر، والحمد لله على ذلك، واسأل الله تعالى ان يعين على اتمامه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً}.
قال العبد الصالح: لقد قلت لك: انك لن تستطيع الصبر على ما ترى من اعمالي.
قال موسى: إن سأتلك عن شيء بعد هذه المرة عن عجيب افعالك التي اشاهدها فلا تصاحبني، قد بلغتَ الغاية التي تعذر بسببها في فراقي.
قراءات:
قرأ يعقوب: {فلا تصحبني}. والباقون: {فلا تصاحبني}. وقرأ نافع: {من لدني}. بتخفيف النون. وقرأ أبو بكر: {من لدني} بإسكان الدال.
قرأ ابن كثير والبصْرِيَّان: {لتخِذت عليه اجرا}، بفتح التاء وكسر الخاء.
فانطلقا يمشيان حتى وصلا إلى قرية، فطلبا من اهلها ان يطعمهما، فرفضوا ان يضيّفوهما ووجدا في القرية جدارا يكاد يسقط، فسوّاه العبد الصالح ورممه. فقال موسى: لو شئت لطلب اجره على بنائه.
فقال: هذا الاعتراض الدائم منك على ما افعل سبب الفراق بيني وبينك، وسأخبرك بحكمة هذه الافعال التي خفي عليك امرها ولم تستطع الصبر عليها.
اما السفينة التي احدثتُ فيها خرقا، فهي لمساكين ضعفاء يعملون بهافي البحر لتحصيل رزقهم، فاحدثتُ فيها عيبا، لانه كان هناك ملك يغتصب كل سفينة صالحة، وبعملي هذا نجت السفينة من ذلك.
واما الغلام الذي قتلته، فكان ابواه مؤمنين، وعلمت انه ان عاش فإنه سيكون سبباً لكفرهما.
واراد ربك بقتله ان يعوضهما خيرا منه ديناً واقرب براً ورحمة. واما الجدار الذي أقمته دون اجر، فكان لغلامين يتيمين من أهل المدينة، وكان تحته مال مدفون تركه ابوهما لهما، وكان رجلا صالحا، فاراد الله ان يحفظ لهما ذلك المال حتى يبلغا رشدهما ويستخرجاه، رحمة ربهما، وتكريماً لأبيهما.
واعلمْ اني ما فعلت هذا كله بأمري واجتهادي من عندي نفسي، وانما فعلته بتوجيه من ربي، هذا تفسير ما خفي عليك يا موسى، ولم يستطع الصبر عليه.
قرأ نافع وأبو عمرو: {ان يبدلهما} بتشديد الدال. وقرأ ابن عامر ويعقوب وعاصم: {رحما} بضم الراء وإسكان الحاء. والباقون: {رحما} بضم الراء والحاء.
اختلف المؤرخون والمفسرون في شخصية ذي القرنين، فقال كثير من المفسرين انه اسكندر المقدوني، وفي تاريخ ملوك حمير واقيال اليمن ان ذا القرنين هو تبَّع بن شمر يرعش.. وانه غزا بلاد الروم واوغل فيها حتى وصل إلى وادي الظلمات.
وفي رواية انه الصعب بن تبع ابن الحارث ويلقب بذي القرنين، وروايات كثيرة، وكلها من باب الرجم بالغيب والظن الذي لا يغني عن الحق شيئا.
ويقول أبو الكلام أزاد في كتابه عن ذي القرنين انه (كورش الأكبر) مؤسس الاسرة الاخمينية، والذي يقول العقاد إننا إذا انعمنا النظر في التاريخ نجد ان اوصافه تنطبق على ما وصف به القرآن ذا القرنين، اذ كان ملهماً وفاتحا عظيما، غزا الأرض شرقا وغربا واقام سدا ليصد به هجمات المغيرين من (يأجوج ومأجوج) على بلاده. واما اسكندر المقدوني فقد كان وثنيا معروفا بالقسوة والوحشية، ثم ان الاسكندر لا يعقل ان يكون هو باني سور الصين، فهو اولاً لم يصل الصين، بل عاد من الهند حيث تمرد عليه رجاله، وان سد الصين بني بعده بنحو مائة وعشرين سنة. ما بين سنة 246- 209 قبل الميلاد وبانيه معروف وهو الملك (ش هو انجتي). وطول سد الصين 2400 كيلو متر استغرق بناؤه سنين عديدة. وسيأتي الكلام على السد ومكانه قريبا.


ذكراً: خبرا. مكنّا له في الأرض: جعلنا له قوة وسلطة. آتيناه من كل شيء سببا: هيأنا له السبب الذي يوصله إلى ما يريد. وأتبع سببا: سار في طريقه. حمئة: ذات طين اسود. نكرا: فظيعا. الحسنى: المثوبة الحسنة. يسرا: سهلا ميسرا. خبرا: علما.
{وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً}
يسألك بعض زعماء قريش ايها الرسول عن نبأ ذي القرنين فقل لهم سأقص عليكم بعض اخباره.
روي في سبب نزول سورة الكهف ان زعماء قريش ارسلوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى احبار اليهود بالمدينة، وقالوا لهما: سلاهم عن محمد وَصِفا لهم صفته، واخبراهم بقوله فانهم أهل الكتاب الاول، وعندهم ما ليس عندنا من علم الانبياء.. فقال لهم اليود: سلوه عن ثلاث، فان اخبركم بهن فهو نبي مرسل والا فهو رجل متقوِّل فروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الاول، ما كان من امرهم، فانهم كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فان اخبركم بذلك فهو نبيّ فاتبعوه... فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش فقالا: يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، فأخبروهم بما قال اليهود. فجاؤا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه عن هذه الأمور الثلاثة. فقال: اخبركم غدا عما سألتم ولم يَقُلْ إن شاء الله، ومكث خمس عشرة ليلة لم يأته الوحي. فأرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا، واليوم خمش عشرة قد اصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء عما سألناه! وشق ذلك على النبي الكريم، ثم جاءه جبريل بسورة الكهف. وهناك روايات اخرى في سبب النزول ولا يهمنا ذلك كله، والمهم العبرة من القصص القرآني ويكفينا ذلك.
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً}
انا مكنا لأمره في الأرض، فاعطيناه سلطانا قويا، ويسرنا له اسباب الحكم والفتح، واسباب البناء والعمران، وآتيناه الكثير من العلم بالاسباب كي يستطيع توجيه الأمور، ورحل ثلاث رحلات: واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواجدة إلى ما بين السدّين.
قراءات:
قرأ ابن عامر واهل الكوفة: {فأتْبع سببا}، بفتح الهمزة وسكون التاء، ولباقون: {فاتَّبع سببا} بجعل الهمزة الف وصل، وتشديد التاء المفتوحة.
{فَأَتْبَعَ سَبَباً} ومضى بهذه الاسباب يبسط سلطانه على الأرض، حتى إذا وصل إلى مكان بعيد جهة مغرب الشمس، ووقف على حافة البحر، وجد الشمس تغرب عند عين ذات حمأة وطين اسود، ووجد بالقرب من هذه العين قوما كفارا. فألهمه الله ان يتخذ فيهم احد امرين: اما ان يدعوهم إلى الايمان، وهذا امر حسن في ذاته؛ واما ان يقاتلهم إن لم يجيبوا داعي الايمان.
قراءات:
قرأ ابن عامر واهل الكوفة الا حفصا: {في عين حامئة}. والباقون: {في عين حمئة} بفتح الحاء وكسر الميم وفتح الهمزة، كما هو في المصحف.
قرأ أهل الكوفة الا ابا بكر: {فله جزاءً الحسنى} بنصب {جزاء} مع التنوين. والباقون {فله جزاءُ الحسنى} برفع {جزاء} واضافته إلى {الحسنى}.
فقال ذو القرنين: إن من ظلم نفسه بالبقاء على الشرك، استحق العذاب في هذه الدنيا على يديه، ثم يرجع إلى ربه فيعذبه عذابا شديدا.
واما من استجاب وآمن بِرِبِه وعمل صالحا، فله المثوبة الحسنى في الآخرة، وسنعامله في الدنيا برفق ولين ويسر.
{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} وقفل راجعا من مغرب الشمس حتى بلغ مشرق الشمس حيث بلغ غاية المعمور من الأرض في ذلك الزمن، فوجدها تطلع على قوم ليس لهم بناء يكنّهم، ولا لباس لهم، فهم عراة في العراء أو في سراديب في الأرض.
{كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً}
ان امر ذي القرنين كما وصنا من قبل بلوغه طرفي المشرق والمغرب، ونحن مطلعون على جميع احواله لا يخفى علينا شيء منها.


السدين: الجبلين. خَرْجا: اجرة من اموالنا. ردما: حاجزا. زبر الحديد: قطع الحديد، المفرد زبرة، الصدفين: واحدها صدف: جانب الجبل. قطرا: نحاسا مذابا، أو رصاصا. ان يظهروه: إن يرقوا عليه ويجتازوه. دكَّاء: مهدوما مستويا مع الأرض. نفخ في الصور: الصور: قرنٌ ينفخ فيه فيحدث صوتا عاليا.
{حتى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً}.
وهذه رحلة ذي الرقنين الثالثة فلما وصل إلى مكان بعيد بين جبلين وجد هناك قوما لا يفهمون ما يقال لهم لغرابة لغتهم وجهلهم. ويقال ان الجبلين المذكورين عند مدينة دربند، بالقرب من مدينة ترمذ حيث يرعف بباب الحديد.
{قَالُواْ ياذا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً}.
قال المجاورون لهذين الجبلين لذي الرقنين انه يوجد اناس مفسدون في الأرض وهم يأجوج ومأجوج، ويقال انهم التتر والمغول، وكانوا يغيرون على الأمم المجاورة لهم فيفسدون ويدمرون، ولذلك توسل المجاورون إلى ذي القرنين ان يجعل بينهم وبينهم سدا.
ولذلك أجاب طلبهم بانه بحول الله وقوته سيبني هذا السد، وشرع فيه وقال لهم: أعينوني بما تقدرون عليه من رجال وادوات احققْ لكمهذا الطلب و{أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً}. وطلب منهم ان يمدوه بقطع الحديد، فاقام سدا عاليا ساوى به بين حافتي الجبلين، ثم امر ان يوقدوا نارا حتى انصهر الحديد فصب عليه النحاسَ المذاب، فاصبح سدا منيعا. ويقول الخبراء الذين زاروا تلك المنطقة: إن هذا السد موجود الآن ويُعرف بسد دريند، وطوله 50 ميلا وراتفاعه 29 قدما، وسمكه عشرة اقدام، وتتخلله بعض الأبواب الحديدية، فوي اعلاه برج للمراقبة.
{فَمَا اسطاعوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْباً}.
فما استطاع يأجوج ومأجوج ان يجتازوه، ولا ان ينقبوه لصلابته.
وبعد أن أتم ذو القرنين بناء السد، قال شاكرا لله: {قَالَ هذا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً}.
ان هذا السد من رحمة الله بكم، وسيظل قائما حتى يسويه بالارض، وان امر الله نافذ لا محالة.
وهذا النص لا يحدد معينا لخروج يأجوج ومأجوج، ففي سورة الانبياء {حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} فمن الجائز ان تكون هي غارات المغول والتتر التي دمرت ملك العرب بتدمير الخلافة العباسية على يد هولاكو، ويكون هذا تصديقا للحديث الصحيح الذي رواه الامام احمد عن زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر الوجه وهو يقول: «ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا».
وحلّق باصبعيه السبابة والابهام. قلت: يا رسول الله انهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث».
{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصور فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً}
وتركنا يأجوج ومأجوج خلق السد يموج بعضهم في بعض لكثرتهم إلى ان نأمر بفتحِهِ ويخرجون إلى ما وراءه يفسدون ويدمرون كعادتهم.
فاذا كان موعد يوم القيامة ونفخ في الصور، يجمع الله الخلائق جميعا للحساب والجزاء.
قراءات:
قرأ نافع وحمزة والكسائي وابن عامر وأبو بكر ويعقوب: {بين السدّين} بضم السين. والباقون {بين السدين} بفتح السين، وهما لغتان.
وقرأ حمزة والكسائي:{لا يكادون يفقهون قولا} بضم الياء وكسر القاف. والباقون: {يفقهون} بفتح الياء والقاف. وقرأ عاصم وحده: {يأجوج ومأجوج} بالهمز. والباقون: {ياجوج وماجوج} بدون همز.
وقرأ أهل الكوفة: {خراجا}، الا عاصما: {خرجا}. وقرأ ابن كثير: {ما مكنني}. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {الصُدفين} بضم الصاد والدال، وقرأ أبو بكر: {الصدفين} بضم الصاد وإسكان الدال. والباقون: {الصدفين} بفتح الصاد والدال. وقرأ حمزة وأبو بكر: {ائتوني}. والباقون: {آتوني} بمد الهمزة. وقرأ أهل الكوفة: {دكاء} بالهمزة مع المد. والباقون: {دكا}، بدون همزة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7